تنبيه: يوجد في نهاية المجلد الثامن من المجموع ((الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى)) إضافة فوائد جديدة لم تكن في المطبوع
شرح صحيح البخاري يوميا عدا الجمعة بعد صلاة المغرب بالمسجد النبوي

من ذكرياتي عن حجتي الأولى عام 1370هـ

1439/07/17هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد، فهذا حوار أُجري معي في عام 1427هـ حول حجتي الأولى عام 1370هـ، وهو منقول من مجلة التوعية الإسلامية، العدد: (226) ذو الحجة 1427هـ:

«فضيلة الشيخ في أي عام كان حجكم الفريضة وكم عمركم آنذاك وما وسيلة النقل فيها؟

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين السنة التى اديت فيها فريضة الحج سنة 1370هـ وكنت في السنة السابعة عشرة من عمرى وهذه السفرة للحج أول رحلة لي خارج بلدي الزلفي وكنت في ذلك الوقت في السنة الخامسة الابتدائية لأن المدرسة لم تفتتح في الزلفي إلا عام 1368هـ.

وسبق ان تعلمت القراءة والكتابة في الكتّاب وأتممت قراءة القرآن نظرا وقرأت بعض الكتب وفي السنة التى بعدها حصلت على الشهادة الابتدائية وكان عدد الناجحين في جميع انحاء المملكة (717) كما هو مثبت في شهادتى الابتدائية.

ووسيلة النقل سيارة كبيرة تشبه السيارة التي يقال لها الآن (الدينا) والركاب في صندوقها الخشبي والماء في قرب تعلق في جانبيها من الخارج والوقود الحطب وهو يربط على جانبيها أعلى من القرب والنساء في مقدم الصندوق والرجال في مؤخره بينهما ساتر وكانت الوالدة  رحمها الله  معى في تلك الحجة.

ولم تكن الطرق في ذلك الوقت مسفلتة وليس فيها محطات التعبئة السيارات بالبنزين ويوجد بدلها مجموعه من البراميل في أماكن متعددة من الطريق تعبأ منها السيارات.

وفي تلك الحجة رأيت الجنود لأول مرة في مكة في المسجد والشوارع وهم يرتدون القمص ومع القميص (كوت) أخضر وغترة خضراء فوقها العقال وإشارة المرور عبارة عن خشبة أو حديدة في أعلاها لوحان معترضان من الجانبين طليا من إحدى الجهتين باللون الأخضر وفي الجهة الثانية باللون الأحمر والجندي يديرها بالأخضر لسير السيارات والأحمر لتوقفها والماء يصل إلى البيوت عن طريق السقائين حيث يحمل الواحد منهم صفيحتين من الماء معلقتين في أطراف خشبة يجعل السقاء وسط الخشبة على كتفه فتكون إحدى الصفيحتين من أمامه والأخرى من خلفه ويطلقون على مجموع الصفيحتين (الزفة).

وفي رجوعنا من تلك الحجة نزلنا في كهف في جبل للاستراحة فيه في وسط النهار وقد كتب بعض الذين نزلوا فيه من قبل هذا البيت من الشعر

نزلنا هاهنا ثم ارتحلنا     وهكذا الدنيا نزول وارتحال

هلا حدثتمونا بارك الله فيكم عن بعض ذكرياتكم ومشاهداتكم عن المسجد الحرام والمسعى والمشاعر؟

أما عن المسجد الحرام فكانت مساحته صغيرة وهو البناء المقبب الموجود الآن تحيط به الأبواب من جميع الجهات والمسعى خارجه وبعض الأبواب يوصل إليها عن طريق أزقة ضيقة في جوانبها المتاجر (الدكاكين) وأما المطاف فكان صغيرا وحده من جهة المقام قبل المقام بقليل وكان المقام داخل سياج حديدي مرتفع مربع أو مستطيل مقبب وبينه وبين المطاف مسافة قصيرة مرتفعة يجلس عليها الناس من وراء الطائفين ومكان الطواف منخفض من جميع الجهات وفي أطراف المطاف أربع بنايات صغيرة تسمى المقامات لكل أصحاب مذهب من المذاهب الأربعة مقام وكان الناس قبل ولاية الملك عبد العزيز رحمه الله على الحجاز يصلون متفرقين كل أصحاب مذهب على حدة كما ذكره بعض من أدرك ذلك ومن أعظم حسنات الملك عبدالعزيز رحمه الله أنه بعد ولايته جمع الناس على إمام واحد وانتهى ذلك التفرق الذي يحصل حول الكعبة وقد رأيت المقامات في تلك الحجة وقد أزيلت فيما بعد حينما وسع المطاف فدخلت فيه كما دخل فيه مكان زمزم الذي كان قريبا من المقام وقد سمعت من الدكتور محمد تقي الدين الهلالى رحمه الله وهو ممن أدرك ذلك الوقت يذكر أن واحدا ممن آلمهم ذلك التفرق تحدث مع واحد من المتعصبين منكرا لذلك التفرق فكان جواب ذلك المتعصب أن قال: الدليل على أنكم لستم على حق أنه ليس لكم مقام حول الكعبة فكان جواب المنكر لذلك التفرق: يكفي المسلمين جميعاً مقام إبراهيم ولا يحتاجون إلى مقامات اخرى وأما المسعى فكان خارج المسجد ومن العلمين الأخضرين فيه إلى المروة كانت الدكاكين عليه من الجانبين ومن العلمين إلى جهة الصفا ليس فيه دكاكين وكانت السيارات تقطع المسعى من المكان الذي فيه العلمان الأخضران تقريبا ثم تذهب خلف أبواب المسجد الباب الذي يخرج إلى الصفا وما يليه من أبواب من جهة الجنوب ويتفرع من بين الدكاكين التي في جانب المسعى من جهة المسجد زقاق واسع ينتهي بباب من أبواب المسجد وفي ذلك الزقاق مكتبات عديدة من جانبيه لبيع الكتب.

وأما عن المشاعر فقد كان الحجاج من الداخل والخارج قليلين والحجاج من الداخل إذا وصلوا مكة قبل اليوم الثامن ينزلون في الأبطح في مخيمات فإذا جاء اليوم الثامن قوضوا الخيام وانتقلوا بها إلى منى والحجاج من الداخل والخارج يستوعبهم جزء من منى وعرفة ومزدلفة وكان الجبل الذي في سفحه جمرة العقبة موجودا في ذلك العام.

وبين عامي 1383/1393هـ حججت حجتين أقود فيهما سيارتي الخاصة أتنقل بها في المشاعر بين منى وعرفة ومزدلفة.

في أي سنة بدأتم رعاكم الله الحج مع التوعية وماذا عن ثمار التوعية في الحج؟

بدأت العمل في توعية الحجاج في مواسم الحج التي تقوم بها وتنظمها رئاسة الإفتاء والدعوة والإرشاد ثم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في عام 1402هـ.

وتوعية الحجاج وتفقيههم في الدين عن طريق أعضاء التوعية من أجلّ الأعمال التى تقدمها حكومة المملكة وفقها الله لحجاج بيت الله الحرام إن لم تكن أجلها وذلك أن الخدمات الأخرى التي تقدم للحجاج فائدتها تعود إلى صحتهم وسلامة أبدانهم وراحتهم أما تفقيههم في الدين وتبصيرهم في العقيدة الصحيحة ومعرفة امور عبـاداتهم وأداء مناسك حجهم وعمرتهم فهو غذاء أرواحهم وزادهم لآخرتهم كما قال الله عز وجل: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} والعمل في التوعية يكون بالإفتاء وإلقاء المحاضرات والكلمات التى تعود بالنفع العميم على حجاج بيت الله الحرام ومن ثمرات العمل في التوعية تيسر الحج لأعضائها فهم يجمعون بين الحسنيين بين التطوع في الحج وتوعية الحجاج بين النفع الخاص والنفع العام.

فضيلة الشيخ هل لكم أمنيات في المسجد الحرام والمشاعر تودون تحققها؟

مما كنت أتمناه أن يكون جسر الجمرات من أدوار متعددة وقد حصل اقتراح ذلك من أعضاء التوعية من المدينة في مواسم الحج في سنوات متعددة وقد تحقق البدء بذلك والحمد لله في هذا العام 1427هـ ونسأل الله أن ييسر إتمامه وقد بدأت الاستفادة مما نجز منه في هذا الموسم ومما كنت أتمناه إزالة المباني المقببة في المسجد الحرام ومساواة أرضها بأرض المطاف . ليتيسر للأعداد الكبيرة من الحجاج التي تزداد عاما بعد عام الطواف براحة وطمأنينة دون تضرر بالزحام وأن ينشأ في أرضها أعمدة متباعدة يقام عليها سقف يطاف فوقه ويكون ذلك السقف على شكل دائري من جهة الكعبة ويكون في نهاية هذا السقف الدائري من جهة الكعبة جزء محجوز لسير العربات فيه وقد حصل اقتراح ذلك من أعضاء توعية الحجاج في المدينة في سنوات متعددة وأسأل عز وجل الله أن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله لتحقيق ذلك فيكون أهم إنجاز له في أفضل مسجد في الأرض.

هل من موقف طريف أو عجيب حصل لفضيلتكم في الحج؟

من المشايخ الذين شاركوا في التوعية الشيخ عمر بن محمد فلاته رحمه الله فقد شارك في أعمال التوعية منذ تأسيسها بعد سنة 1390هـ إلى أن توفي رحمه الله سنة 1419هـ ومن المواقف الطريفة العجيبة أنني أداعب الشيخ عمر رحمه الله حول سنه وأنه كبيرولا يظهر عليه أثر الكبر وفي سنة من السنوات كنا في الحج فانتقلنا في صبيحة يوم عرفة من منى إلى عرفة ولما دخلنا مخيم التوعية في عرفة وإذا فيه رجل قد ابيض منه كل شيء حتى حاجباه فقلت للشيخ عمر بيني وبينه هذا من أمثالك أى كبار السن ولما جلسنا سمى نفسه محمد الزهراني وقال يخاطبني أنا تلميذ لك درستنى في مدرسة ليلية ابتدائية في الريـاض والأمر كما قال فقد درست في تلك المدرسة في عام 1374هـ تقريبا وكنت في زمن دراستي في الرياض أدرس مساء متبرعا في تلك المدرسة التى غالب طلابها موظفون فوجد ذلك الشيخ عمر رحمه الله مناسبة ليقلب الموضوع علي فكان يكرر مخاطبا ذلك الرجل أنت تلميذ الشيخ عبدالمحسن؟

كلمة ختامية من فضيلتكم لأعضاء توعية الحجاج؟

توعية الحجاج لها أهمية كبرى وفائدتها عظيمة للداعى و المدعوين و الداعية المشارك في توعية الحجاج أتيح له توعية المسلمين من مختلف أنحاء الأرض فيستفيدون من دعوته إياهم إلى الخير وقد يوصلون هذه الفوائد إلى أهليهم وذويهم إذا رجعوا إليهم فيكون الداعية المشارك في توعيتهم كأنه أتيح له التجول في العالم الإسلامي للدعوة إلى الله ويكون هذا الخير الذي لا يحصل إلا بمشقة لو تجول في العالم حصل له بدون مشقة تذكر في أيام قليلة يقضيها في أقدس بقاع الأرض داعيا إلى الله وهو مع ذلك يؤدي عبادة عظيمة.

ومن المعلوم أن الغرض من توعية الحجاج إيصال الفائدة إليهم وحصول المنفعة لهم وإن مهمة الداعية بذل الوسع لتحقيق هذا الغرض ولذا فإن إتباع الطريقة المثلى التي تؤدي إلى هذه الغاية النبيلة هو مما ينبغى أن يحرص عليه الداعية والمنهج الأقوم و الطريق الأمثل للوصول إلى الغاية المنشودة الأخذ بما ورد في الكتاب و السنة من توجيهات و إرشادات لما ينبغي ان تكون عليه الدعوة وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هى أحسن وأن يكون الداعية على بصيرة فيما يدعو إليه فمحبة الداعية حصول الإفادة للمدعوين ولينه لهم ورفقه بهم له تأثير كبير في قبول دعوته وقد وصف الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم وقال في خطابه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الأسوة والقدوة الحسنة قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرً} وكذا الأخذ بالحكمة وهي وضع الشيء في موضعه والعمل على تحصيل المصالح وتوفيرها ودرء المفاسد وتقليلها وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما وارتكاب أخف الضررين لتفويت أشدهما مع التحلي بالصبر والتحمل عند جهل الجاهلين وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وقال في صفات عباد الرحمن: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}.

وإن من أعظم الوسائل تأثيرا في المدعوين الأسلوب الحسن والقول اللين وقد أمر الله موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام باللين مع فرعون مع أنه بلغ الغاية في العتو والتمرد فقال تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}.

ومما يواجه الداعية طلب الفتوى منه في أمور الدين وشأن الفتوى عظيم لأنها إخبار عن شرع الله وذلك يقتضي من الداعية التثبت في الإجابة وأن تكون مبنية على علم فإن كان لديه جواب أجاب به وإلا أحال السائل إلى غيره ممن قد يكون له علم في المسألة المسؤول عنها أو أرجأ الإجابة إلى وقت يحدده للسائل ليبحث ويجيبه إن توصل إلى معرفة الجواب».

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.