تنبيه: يوجد في نهاية المجلد الثامن من المجموع ((الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى)) إضافة فوائد جديدة لم تكن في المطبوع
شرح صحيح البخاري يوميا عدا الجمعة بعد صلاة المغرب بالمسجد النبوي

من ذكرياتي عن الشيخ أبي بكر الجزائري رحمه الله

1439/12/07هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد، فما أكتبه هنا عن الشيخ أبي بكر الجزائري رحمه الله ليس تأريخا أو ترجمة، وإنما هو تدوين ذكريات لي عنه في بعضها عبر وعظات، وأكثرها لطائف وطرائف، وهو من أهل الصلاح والنصح، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا.

1. لقيت الشيخ أبا بكر رحمه الله أول مرة بعد حج عام 1376هـ، فقد دخلت المسجد النبوي من الباب الذي يسمى باب الرحمة فرأيته واقفا يلقي درسا، وقد لازم التدريس في المسجد النبوي ستين عاما تقريبا.

2. كان في ما مضى للجامعة الإسلامية مخيم في زمن الحج في منى يكون فيه عدد من مدرسي الجامعة وطلابها يُلقَى فيه دروس وكلمات لتوعية الحجاج، وقد أُلقي على الشيخ أبي بكر رحمه الله سؤال عن الفرق بين الشيوعية والرأسمالية؟ فبادر إلى الجواب قائلا: «كالفرق بين إبليس والشيطان»! ثم تكلم عن الشيوعية والرأسمالية.

3. للشيخ أبي بكر رحمه الله ابن واحد هو الدكتور عبدالرحمن حفظه الله ووفقه لما فيه رضاه، وقد سمعته في درس يقول ما معناه: إني أفضل أن لو لم يكن يحصل الرزق لوحيدي إلا بمشقة وعناء كالعمال الذين يحملون اللبن للبناء على ظهورهم إلى أدوار عالية في عمارات شاهقة لكنه إذا سمع الأذان ترك عمله وذهب إلى أداء صلاة الجماعة، وكان العمال في ذلك الوقت يحملون اللبن في العمارات على ظهورهم قبل أن تستعمل الرافعات الحديثة.

4. حصل في سنة من السنوات ذكر الشيخ رحمه الله في إحدى الإذاعات وقيل بعد ذكر اسمه: «رحمه الله»، والمألوف عند الناس أن هذا الدعاء يقال لمن يتوفى، ولشهرته وقبوله عند الناس ذُكر أن بعض الجمعيات في أمريكا صلوا عليه صلاة الغائب!

5. تتسم دروس الشيخ رحمه الله بالوعظ والتذكير والترغيب والترهيب، وهي مناسبة لعامة الناس ولمن يكون عندهم شيء من التقصير والخطأ، فكنت أوصي من أراه كذلك بحضور دروسه.

6. حصل فيما مضى في فترة من الزمان الافتتان بالقومية العربية والإشادة بها والانشغال فيها، وفي ذلك الوقت ألف شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله رسالته القيمة وهي: «نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع»، وقد ألقى أحد طلاب الجامعة العراقيين بمخيم الجامعة بمنى كلمة في نقد القومية العربية، وسمعت الشيخ أبا بكر رحمه الله يداعب ذلك الطالب قائلا: «نسفت قوميتنا يا ابن الرافدين!»، والرافدان هما: دجلة والفرات.

7. للشيخ رحمه الله ابن واحد وتسع بنات، ولما توفي الأخ عبدالله الباحوث رحمه الله وهو من موظفي الجامعة الإسلامية زرت بنيه للتعزية، فسألت أحد أبنائه عن عدد أبناء والدهم؟ فقال: تسعة بنين وبنت واحدة، وكان منزلهم قريبا من منزل الشيخ أبي بكر، فقلت: الآن أذهب لزيارة أبي بكر الذي له ابن واحد وتسع بنات.

8. حضرت ملتقى في الجامعة حضره الشيخ عبدالعزيز ابن باز والشيخ محمد الأمين الشنقيطي والشيخ محمد ناصر الدين الألباني والشيخ أبو بكر الجزائري رحمهم الله، وقد بُدئ الملتقى بتلاوة آيات من أول سورة لقمان، فتكلم الشيخ أبو بكر رحمه الله على هذه الآيات، جاء في كلامه ذكر حديث: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا»، فعلق عليه الألباني رحمه الله بقوله: هذا الحديث ضعيف، فقال الشيخ أبو بكر: أنا واعظ في المسجد النبوي، والواعظ يأتي بما يؤثر على الناس من ترغيب ترهيب، وذكر ملاحظة أخرى من الشيخ ناصر وقال: «ما قلتها؛ وهذا الشريط يشهد لي»، وأشار إلى جهاز التسجيل، وأنا لا أذكر تلك الملاحظة.

9. حضرت للشيخ أبي بكر رحمه الله محاضرة في الجامعة أُلقي عليه بعدها أسئلة، وكان منها سؤال فيه غرابة لا أذكره، فوصف الشيخ هذا السؤال بوصف أضحك الحاضرين فقال: «هذا السؤال يضحك النمل في قراها، والنحل في خلاياها».

وكانت وفاة الشيخ رحمه الله في ليلة اليوم الرابع من ذي الحجة هذا العام 1439هـ بعد مرض لزم فيه بيته وفراشه عدة سنوات، جعل الله ما أصابه رفعة في درجاته وحطا لخطاياه، وأعظم له الأجر والمثوبة على ما بذله من التدريس والنصح، إنه سميع مجيب.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.