صحفي يُنكر الحوض والصراط ورؤية الله وصحيفة عكاظ تنشر هذا الإنكار
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته.
وبعد، فإن الإيمان باليوم الآخر أحد أصول الإيمان الستة التي بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور؛ إذ جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في صورة رجل غير معروف عند الصحابة وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأماراتها، وكان جوابه صلى الله عليه وسلم عندما سأله عن الإيمان؛ قال: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره))، وفي آخره قال عليه الصلاة والسلام: ((فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم))، والحديث أخرجه مسلم في صحيحه (93) عن عمر رضي الله عنه وهو أول حديث عنده في كتاب الإيمان، وقد شرحته في رسالة بعنوان: ((شرح حديث جبريل في تعليم الدين)) طبعت في عام 1424هـ، والإيمان بهذه الأصول الستة من الإيمان بالغيب الذي هو أول صفات المتقين المذكورة في أول سورة البقرة في قوله: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}، ويأتي كثيراً في الكتاب والسنة الجمع بين الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر، لأن الإيمان بالله أصل الأصول وأس الأسس، والإيمان باليوم الآخر فيه التذكير بالمعاد والترغيب بالأعمال الصالحة رجاء ثوابها في الدار الآخرة، والترهيب من المعاصي خوفاً من عقابها، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم والآخر فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم والآخر فليكرم ضيفه)) رواه البخاري (6475) ومسلم (173) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وبداية اليوم الآخر الموت؛ فكل من مات قامت قيامته وانتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، ويدخل في الإيمان باليوم الآخر كل ما جاء في كتاب الله وثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت كنعيم القبر وعذابه والبعث والحشر والحوض والحساب والميزان والصراط والجنة ورؤية الله عز وجل والنار وغير ذلك.
وقد اطلعت على مقال نشرته صحيفة عكاظ بتاريخ: 14/6/1432هـ للصحفي نجيب عصام يماني وليس له من النجابة نصيب، ينكر فيه الحوض والصراط ورؤية الله عز وجل تحت عنوان: ((ما قيل في الحوض والصراط))، تخبط في مقاله خبط عشواء، وقفا ما ليس له به علم، وما للصحفيين والخوض في مسائل العلم الشرعي، لاسيما مسائل الاعتقاد التي لا ينكرها حتى العوام؟! وسبق أن كتبت رسالة بعنوان: ((تنبيهات في الحج على الكتابة المسماة إفعل ولا حرج))، قلت فيها (ص60) تحت عنوان: (وحتى الصحفيين يُفتون ويخوضون في الأحكام الشرعية بغير علم): ((ولم يكن أمر الفتوى والكلام في مسائل العلم قاصراً على العلماء ومن ينتسب إلى العلم، بل أصبح مرتقى سهلاً يتسلق جدرانه كل من هبَّ ودبّ ممن لا ناقة لهم في العلم ولا جمل وليسوا في العير ولا في النفير، فطفحت الصحف بكلامهم المنفلت في مسائل العلم)) ثم ذكرت أمثلة لذلك، وأُورد هنا نماذج من كلماته المنفلتة التي تنادي عليه ببعده عن الأهلية للكلام في العلم الشرعي؛ منها قوله معلقاً على اختلاف الروايات في صفة الحوض: ((ونخلص من هذا الاختلاف إلى أن الحديث في حكم المضطرب الذي لا يعمل به عند أهل الحديث ... ولقد جاء في صحيح مسلم (1264/7003) قوله عليه الصلاة والسلام: ((يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء ـ أي ترابية ـ ليس فيها علم لأحد))، فإذا كان هذا الحوض يبلغ طوله ما بين المشرق والمغرب فإن هذه الأوصاف توجب ذكر هذا الحوض في معرض ذكره عليه الصلاة والسلام لأرض المحشر بدلا من القولِ بأنها بيضاء عفراء وليس فيها علم لأحد، وهل ثمة علم للرسول عليه الصلاة والسلام على أرض المحشر أكبر من هذا الحوض، لو كان موجوداً؟ مما يوجب إيقاف العمل بهذا الحديث))، ومنها قوله: ((وقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)}، ففي ذلك اليوم العصيب تكون وجوه المؤمنين ناضرة وترجو وتنتظر من رب العالميـن حسـن الجزاء ولـيس ـ بالمناسبة ـ في هذه الآية أي معنى من معاني رؤية رب العالمين في الآخرة كما يحلو للبعض أن يتقول بذلك ويتشبث بهذه الآية، فإن هذا القول مردود جملة وتفصيلا بقوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}، وقوله تعالى لموسى عليه السلام: {لَن تَرَانِي}، وحرف ((لن)) تأتي بوضع اللغة للنفي الأبدي ... وفي قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}رد لمن احتج بما نسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام من قوله: ((ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر)) ... وحرف ((كما)) تأتي للتشبيه والتمثيل ورب العزة والجلال منزه عن كل ذلك، فالشاهد أن يوم الحشر تطغى عليه صفة الهم والغم والكرب، كما قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم (91/433) ((.. يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد ... وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون))، فهل يتناسب هذا الحال مع وجود هذه القطعة من نعيم الجنة وهي هذا الحوض في هذا المحشر؟ ونخلص من هذا إلى أن ما ذهب إليه القرطبي من أن هذا الحوض إنما هو في أرض المحشر قول بعيد جداً وينقضه العقل والنقل، فأين إذاً يكون هذا الحوض؟ والقول الثاني الذي تبناه القاضي عياض فيه أن هذا الحوض إنما يكون في الجنة، وفي هذا القول إشكالات أكثر من القول الأول، لأن فيه تعارضا مباشراً مع حشد من الآيات، مثل قوله تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18)}، وقوله تعالى:{وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)}، فهذه الآيات وغيرها تدل على أن الناس في الجنة يشربون ويستمتعون بهذه الأشربة التي خلقها الله لهم، ووجه التعارض مع حديث الحوض أن من شرب منه فلا يظمـأ بعدها أبداً، ومعنى ذلك أن كل هذه العيون والأنهار التي خلقها الله لعباده في الجنة لا قيمة لها، لأن من شرب من الحوض انتهت رغبته في أي ماء أو شراب وهذا مردود بسياق الآيات ومعانيها، وثمة إشكال آخر وهو ما ذكره ابن حجر في فتح الباري (3502/6365) أن رهطاً من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام يمنعون من هذا الحوض، فيقول الرسول ((يا ربي أصحابي، فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا)). والسؤال الذي ينقض هذا الحديث هو مَن مِن الصحـابة ارتـد بعد وفاة الرسول عليه الصـلاة والسـلام؟ ولا صحابي واحد!! ثم لو كان موجوداً في الجنة لكان من المناسب أن يأتي ذكره ـ ولو مرة واحدة ـ في سياق الآيات التي تناولت وصف الأشربة والأطعمة التي خلقها الله لعباده في الجنة، فلما لم يرد ذكره علم قطعاً أنه لا وجود له في الجنة كما قال القاضي عياض))، وقوله: ((أما الصراط فقد جاء في صحيح مسلم (88/405) ومثله في البخاري (527/791) قوله عليه الصلاة والسلام: ((ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فيمر أولكم كالبرق، ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفاً، وفي حافتي الصراط كلاليب مثل شوك السعدان تخطف الناس))، والذي جاء في كتابه العزيز في استيفاء العباد ما يستحقونه إنما هو الفرح والبشرى وأن الملائكة تأخذهم مباشرة من المحشر إلى الجنة وتفتح لهم أبوابها وتهنئهم وترحب بهم أجمل ترحيب وتقول لهم: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}، فلزم والحال كذلك تقديم الآيات وإيقاف العمل بحديث الصراط والنيران والكلاليب وشوك السعدان)).
هذه نماذج من كلامه المتهافت الذي لا فائدة فيه ولا قيمة له، وقد بلغني أنه حصل ردود عليه لم أطلع على شيء منها، ولا أريد أن أناقش هذا الهذيان الذي مجرد تصوره يغني عن تكلف الرد عليه وإنما أكتب في هذه الموضوعات الثلاثة باختصار؛ فأقول: إن الإيمان بالحوض والصراط ورؤية الله عز وجل في الدار الآخرة من عقائد أهل السنة والجماعة التي تضمنتها كتب عقائد أهل السنة المطوَّلة والمختصرة، ومن المختصرة ((العقيدة الطحاوية))، و((مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني)).
فأما الحوض فقد تواترت فيه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قلت في كتابي: ((قطف الجنى الداني شرح مقدِّمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني)) (ص136): ((أحاديثُ حوض نبيِّنا صلى الله عليه وسلم متواترةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أورد البخاري رحمه الله في باب: في الحوض، من كتاب الرقاق من صحيحه منها تسعة عشر طريقاً من (6575 ـ 6593)، وذكر الحافظ في الفتح أنَّ الصحابةَ فيها يزيدون على خمسين صحابيًّا، ذكر خمسة وعشرين منهم نقلاً عن القاضي عياض، وثلاثة نقلاً عن النووي، وزاد عليهما قريباً من ذلك، فزادوا على الخمسين صحابيًّا (11/468 ـ 469)، وأورد الإمامُ ابن كثير في كتاب النهاية أحاديثَ الحوض عن أكثر من ثلاثين صحابيًّا (2/29 ـ 65)، ذكرها بأسانيد الأئمَّة الذين خرَّجوها غالباً))، وقد أورد الشيخ محمد مرتضى الزبيدي رحمه الله في كتابه: ((إتحاف السادة المتقين)) (10/500ـ508) أسماء خمسة وأربعين صحابياً رووا أحاديث الحوض منهم أربعة ذكرهم صاحب الإحياء وذكر الأئمة الذين خرجوا أحاديث الحوض؛ منهم من ساق أسانيدهم ومنهم من اكتفى بالعزو إلى كتبهم، وقال بعد ذلك: ((فهذا ما تيسر لي من جمع أحاديث الحوض في وقت الكتابة، ولو استوفيت النظر في مجموع ما عندي من الفوائد والأجزاء والتعاليق والتخاريج ربما بلغ أكثر مما ذكرت، والله الموفق))، وقوله هذا يدل على سعة اطلاعه على كتب الحديث، وقد نقل عن كتاب السنة للطبراني بأسانيده مما يدل على أنه اطلع على هذا الكتاب، وكانت وفاة الزبيدي سنة 1205هـ، وقد ولد في الهند وعاش في اليمن وتوفي في مصر، ولا أعلم شيئاً عن وجود هذا الكتاب؛ فمن كان عنده علم عن وجوده فليدل عليه مشكوراً، وقد نقل الزبيدي في هذا الكتاب (10/509) عن النووي الجمع بين مختلف الروايات في تحديد مسافة الحوض فقال: ((وأجاب النووي عن ذلك بأنه ليس في ذكر المسافة القليلة ما يدفع المسافة الكثيرة فالأكثر ثابت بالحديث فلا يعارضه))، ثم قال الزبيدي: ((وحاصله يشير إلى أنه أُخبر أولاً بالمسافة اليسيرة ثم اُعلم بالمسافة الطويلة فأَخبر بما كان الله عز وجل تفضل عليه باتساعه شيئاً بعد شيء فيكون الاعتماد على ما يدل على أطولها مسافة)).
وأما الصراط فقد قلت في: ((قطف الجنى الداني)) (ص134): ((الصِّراطُ حقٌّ ثابتٌ بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو جسرٌ منصوبٌ على متن جهنَّم، يَمرُّ عليه المسلمون للوصول إلى الجنَّة على قَدْر أعمالهم، فمنهم مَن يَمُرُّ كالبرق، ومنهم مَن يَمُرُّ كالرِّيح، ومنهم مَن يَزحف زحفاً، ففي صحيح البخاري (806)، ومسلم (299) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه: ((فيُضربُ الصِّراطُ بين ظهرانَي جهنَّم، فأكون أوَّلَ مَن يجوز من الرُّسل بأمَّته، ولا يتكلَّمُ يومئذ أحدٌ إلا الرُّسُل، وكلامُ الرُّسل يومئذ: اللَّهمَّ سلِّم سلِّم، وفي جهنَّم كلاليب مثل شَوك السَّعدان، هل رأيتُم شَوكَ السَّعدان؟ قالوا: نعم، قال: فإنَّها مثل شوك السَّعدان، غير أنَّه لا يَعلمُ قدر عِظَمها إلا الله، تَخطفُ الناسَ بأعمالِهم، فمنهم مَن يُوبَقُ بعمله، ومنهم مَن يُخردَل ثم ينجو))، وفي صحيح مسلم (329) من حديث أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما، وفيه: (وتُرسَلُ الأمانةُ والرَّحم، فتقومان جنبَتَي الصِّراط يميناً وشمالاً، ويَمُرُّ أوَّلُكم كالبرق، قال: قلت: بأبي أنت وأمِّي! أيُّ شيء كمَرِّ البرق؟ قال: أوَ لَم ترَوا إلى البرق كيف يَمُرُّ ويرجع في طرفة عين؟ ثمَّ كمَرِّ الرِّيح، ثمَّ كمرِّ الطير وشدِّ الرِّجال، تجري بهم أعمالهم، ونبيُّكم قائمٌ على الصِّراط يقول: ربِّ سلِّم سلِّم! حتى تعجز أعمالُ العباد، حتَّى يجيء الرَّجل فلا يستطيع السيرَ إلا زحفاً، قال: وفي حافتَي الصِّراط كلاليب معلَّقة، مأمورةٌ بأخذ مَن أُمرت به، فمخدوشٌ ناجٍ، ومكدُوسٌ في النَّار))).
وأما رؤية الله في الدار الآخرة فقد قلت في: ((قطف الجنى الداني)) (ص129): ((رؤية المؤمنين ربَّهم بأبصارهم في الدار الآخرة، هي أكبر نعيم يحصل لهم في دار النَّعيم، وقد دلَّ على ذلك الكتاب والسُّنَّة والإجماع، فمن أدلَّة الكتاب قول الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)}، وقوله: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}، قال الشافعي رحمه الله: ((لَمَّا حُجب هؤلاء في حال السخط، دلَّ على أنَّ المؤمنين يرونه في حال الرِّضَى))، وقوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}، الحُسنَى: الجنَّة، والزيادة: النَّظرُ إلى وجه الله عز وجل، فسَّرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما في صحيح مسلم (297) عن صُهيب رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخل أهلُ الجنَّة الجنَّة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدُكم؟ فيقولون: ألَم تبيِّض وجوهَنا؟ ألَم تُدخلنا الجنَّة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أُعطُوا شيئاً أحبَّ إليهم من النظر إلى ربِّهم عز وجل، ثم تلا هذه الآية {لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}))، وقوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}، وهو يدلُّ على إثبات الرؤية بدون إدراك، فهو يُرى ولا يُدرَك، أي: لا يُحاطُ به رؤيةً، كما أنَّه يُعلمُ ولا يُحاطُ به علماً، ونفيُ الإدراك وهو أخصُّ، لا يستلزم نفي الرؤية وهي أعمُّ، وقوله: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا}، وموسى عليه الصلاة والسلام سأل اللهَ أمراً مُمكناً، ولَم يسأله مستحيلاً، والله عز وجل شاء ألاَّ يُرَى إلا في الدار الآخرة؛ لأنَّ رؤيتَه أكملُ نعيم يكون فيها، وقوله: {لَن تَرَانِي}، أي: في الدنيا، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله هذه الأدلَّة من الكتاب وغيرها في كتاب حادي الأرواح (ص:179 ـ 186)، ثم ذكر الأدلَّة من السُّنَّة عن سبعة وعشرين صحابيًّا، وساق أحاديثهم، ثم ذكر الآثارَ عن الصحابة والتابعين ومَن بعدهم من أهل السُّنَّة والجماعة، وهي تدلُّ على الاتِّفاق والإجماع على ذلك من الصحابة ومَن سار على طريقتهم)).
وقد قال ابن القيم رحمه الله في كتابه ((حادي الأرواح)) (ص220): ((وإن لم يكن لما أخبر به ـ يعني رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة ـ حقيقة كما يقوله أفراخ الصابئة والفلاسفة والمجوس والفرعونية بطلَ الشرعُ والقرانُ فإن الذي جاء بهذه الأحاديث هو الذي جاء بالقران والشريعة والذي بلغها هو الذي بلغ الدين، فلا يجوز أن يجعل كلام الله ورسوله عضين بحيث يؤمن ببعض معانيه ويكفر ببعضها فلا يجتمع في قلب العبد بعد الاطلاع على هذه الأحاديث وفهم معناها إنكارها والشهادة بأن محمد رسول الله أبداً والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كان لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق))، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (13/434): ((جمع الدارقطني طرق الأحاديث الواردة في رؤية الله تعالى في الآخرة فزادت على العشرين، وتتبعها ابن القيم في حادي الأرواح فبلغت الثلاثين، وأكثرها جياد، وأسند الدارقطني عن يحيي بن معين قال: عندي سبعة عشر حديثاً في الرؤية صحاح)).
وأسأل الله عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين ويمنحهم الفقه في الدين والثبات على الحق، وأن يهدي الصحفيين والقائمين على الصحف ويوفقهم للاشتغال بما يعنيهم وترك ما لا يعنيهم من كل ما فيه ضرر عليهم وعلى المسلمين، إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
12/7/1432هـ
عبد المحسن بن حمد العباد البدر