تنبيه: يوجد في نهاية المجلد الثامن من المجموع ((الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى)) إضافة فوائد جديدة لم تكن في المطبوع
شرح صحيح البخاري يوميا عدا الجمعة بعد صلاة المغرب بالمسجد النبوي

كلمة أخرى حول منع الإسلام تحديد سن الزواج

15/2/1431هـ


الحمد لله ، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد، فقد سبق أن كتبت كلمة بعنوان: ((لا تحديد في الإسلام لبدء سن الزواج ولا لانتهائه)) نُشرت في 3/9/1430هـ، ومما قلت فيها: ولم يأت في الشرع تحديد سن الزواج ابتداءً وانتهاءً، فللرجل أن يتزوج الصغيرة، وله أن يتزوج الكبيرة ولو تباعد ما بينهما في السن، والرجال والنساء يتفاوتون في البلوغ سرعةً وتأخراً، وذكرت أن البلوغ بالسنين يكون بخمس عشرة سنة وأنه العلامة الواضحة للحد الفاصل بين الصغير والكبير من الرجال والنساء، وأنه قد يحصل البلوغ قبله بعلامات خفية كالاحتلام ونبات شعر خشن حول القبل والحيض، وأن من حصل له شيء من ذلك قبل سن الخامسة عشرة فهو بالغ، وذكرت الأدلة على ذلك، وذكرت أنه قد دل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع أهل العلم على جواز نكاح الكبير الصغيرة ولو كانت دون سن البلوغ أو بلغت وتباعد ما بينهما في السن، ثم ذكرت هذه الأدلة وهي ثلاث آيات من كتاب الله وحديثان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثران عن عمر وأثر عن عثمان رضي الله عنهما، ونقلت حكاية إجماع أهل العلم على ذلك عن محمد بن نصر المروزي وابن المنذر والنووي، وذكرت بعض المحاذير التي تترتب على منع الزواج بالصغيرة، وذكرت أنه ليس مع الذين ينادون بما زعموه تنظيما بتحديد سن الزواج إلا وجود بعض حالات شاذة من زواج الصغيرات لم يحالفها التوفيق وانتهت بالطلاق مع أن الزواج بالصغيرات قليل، فلا تتخذ ذريعة إلى المنع من زواج الصغيرات؛ فإن فشل النكاح يوجد بكثرة في نكاح غير الصغيرات، ومثل ذلك ما ذُكر من علة عليلة وهي أن بعض مدمني المخدرات يقدمون على تزويج بناتهم الصغيرات ليحصلوا بشيء من مهورهن على المخدرات، فلا يجوز الإقدام على تبديل أو تعديل ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع من عدم تحديد سن الزواج، بل الواجب الاستسلام والانقياد لما دلت عليه الأدلة دون اعتراض عليها أو تقييد لها، كما قال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا}، وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}، وقال: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)}.

وقد كتبت الكلمة السابقة بناء على ما نُشر في بعض الصحف أن هيئة حقوق الإنسان في المملكة بالتنسيق مع وزارة العدل بصدد وضع تنظيم لتحديد سن الزواج، وقد بلغني أن هيئة حقوق الإنسان بالمملكة مازالت تسعى إلى تحديد سن الزواج وهو استمرار في السعي للوصول إلى أمر منكر، والواجب أن يكون عمل الهيئة متجهاً إلى تصدير النور والهدى الذي جاء به الإسلام في حقوق الإنسان، لا أن تستورد الظلام والعمى؛ لأن عدم تحديد سن الزواج دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، والتحديد فيه مخالفة لتلك الأدلة وهو من محدثات القرن الرابع عشر الهجري، وقد جاء في قرار هيئة كبار العلماء رقم (179) وتاريخ 23/3/1415هـ إنكار هذا التحديد، وكذا للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء رقم (18734)، وقد وصف شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله من رأى تحديد السن في الزواج بأنه ظلم نفسه وشرع للناس ما لم يأذن به الله، جاء ذلك في كلمة له بمناسبة ما نشرته صحيفة الرياض برقم (4974) عن مشروع قانون الأحوال الشخصية في الإمارات، وفيه: ((فبالنسبة لعقود الزواج يشترط مشروع القانون ألا يقلَّ عمر الفتى عن ثمانية عشر عاماً وعمر الفتاة عن ستة عشر عاماً ... كما لا يجوز بالنسبة لمن تجاوز الستين عاماً عقد زواج إلا بإذن المحكمة، خاصة عندما يكون فارق السن بين الطرفين يتجاوز نصف عمر الأكبر منهما))، قال الشيخ رحمه الله كما في مجموع فتاواه (4/126): ((لما كان ذلك يخالف ما شرعه الله جل وعلا أحببت التنبيه لبيان الحق، فالسن في الزواج لم يقيَّد بحد معين لا في الكبر ولا في الصغر، والكتاب والسنة يدلان على ذلك؛ لأن فيهما الحث على الزواج والترغيب فيه من دون تقييد بسن معينة)) ثم ذكر بعض الأدلة من الكتاب والسنة على عدم التحديد وقال: ((فليس لأحد أن يشرع غير ما شرعه الله ورسوله ولا أن يغير ما شرعه الله ورسوله، لأن فيه الكفاية، ومن رأى خلاف ذلك فقد ظلم نفسه وشرع للناس ما لم يأذن به الله، وقد قال عز وجل ذاماً لهذا الصنف من الناس: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} الآية، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه، وفي رواية مسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وعلقه البخاري في الصحيح جازما به ...))، والأخذ بتحديد سن الزواج الذي يستورد كما أن فيه المعصية لله لمخالفة الكتاب والسنة والإجماع، فهو أيضاً لا يكفي الغربيين لا هو ولا غيره من سفور النساء واختلاطهن بالرجال وغير ذلك، ولا يكفيهم إلا شيء واحد أخبر الله عنه بقوله: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}، وقد قال الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ}، وقال: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ}.

وإن تحقق لهيئة حقوق الإنسان ما سعت إليه من إصدار تنظيم بتحديد سن الزواج فهو إساءة منها إلى خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله لإحداثها هذا الأمر المنكر في عهده، والواجب عليها ترك هذا السعي غير الحميد لتسلم من أن تكون مفتاحاً للشر ويسلم خادم الحرمين من الإساءة إليه.

وأسأل الله عز وجل أن يوفق خادم الحرمين الشريفين وحكومته ورعيته إلى كل ما تحمد عاقبته في الدنيا والآخرة، والسلامة من كل ما يعود ضرره على الجميع في العاجل والآجل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

عبد المحسن بن حمد العباد البدر