تنبيه: يوجد في نهاية المجلد الثامن من المجموع ((الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى)) إضافة فوائد جديدة لم تكن في المطبوع
شرح صحيح البخاري يوميا عدا الجمعة بعد صلاة المغرب بالمسجد النبوي

أفعى تعود إلى رفع رأسها من جديد لنفث سمومها

15/1/1431هـ

الحمد لله معز من أطاعه ومذل من عصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد، فقد اطلعت في صحيفة عكاظ في عددها الصادر في 5/1/1431هـ على إعلان تحت عنوان: ((جدل المثقف والسلطة يتواصل مع المالكي))، جاء فيه: ((تواصل جماعة حوار في نادي جدة الأدبي الليلة مناقشة محورها لهذا العام (جدل العلاقة بين المثقف والسلطة في الثقافة العربية)، ويلقي الباحث حسن فرحان المالكي في هذا الإطار محاضرة بعنوان: (المعتزلة وأحمد بن حنبل)، ودعا النادي المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي لحضور الأمسية الفكرية في مقره)).

وقد أُوقِفتْ تلك المحاضرة المزعومة وقُطع دابر ذلك التواصل المزعوم، والحمد لله رب العالمين، ومن وقف على هذا الإعلان يتساءل عن وجه اختيار ((جدل المثقف والسلطة))، موضوعا للحوار، وعن اختيار هذا المالكي للتواصل معه؟! وأي أدب سيظفر به النادي الأدبي بجدة من تواصله معه؟! وأي فائدة تحصل للمثقفين من سماع محاضرة عنوانها ((المعتزلة وأحمد بن حنبل؟!)) إنهم لن يسمعوا من هذا المالكي إلا النيل من أهل السنة وفي مقدمتهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله والثناء على المبتدعة من معتزلة وغيرهم، وهو الذي أثنى على المأمون لنصرته المعتزلة وذمَّ المتوكل لإنهائه محنة أهل السنة ونصرتهم، وسبق لهذا الذي وصف في الإعلان بـ ((الباحث)) أن كتب بحثين في منتهى السوء، أحدهما بعنوان: ((الصحابة بين الصحبة اللغوية والصحبة الشرعية))، والثاني بعنوان: ((قراءة في كتب العقائد ـ المذهب الحنبلي نموذجا))، وقد رددت على الأول بكتاب بعنوان: ((الانتصار للصحابة الأخيار في رد أباطيل حسن المالكي)) طبع في عامي 1422هـ و 1423هـ، وعلى الثاني بكتاب بعنوان: ((الانتصار لأهل السنة والحديث في رد أباطيل حسن المالكي)) طبع في عام 1424هـ، ثم طبع الكتابان ضمن مجموعة كتبي ورسائلي (7/33-393) عام 1428هـ.

ومن عناوين الكتاب الأول ((الانتصار للصحابة الأخيار)) التي ذكرت تحتها كلامه في النيل من الصحابة والرد عليه: زعمُه قصر الهجرة على المهاجرين قبل الحديبية وقصره الصحبة على المهاجرين والأنصار قبل الحديبية، وتشكيكه في أفضلية أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وتشكيكه في أحقية أبي بكر بالخلافة، وزعمه أن العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله رضي الله عنهما ليسا من الصحابة، وزعمه أن خالد بن الوليد رضي الله عنه ليس من الصحابة، وزعمه أن معاوية رضي الله عنه ليس من الصحابة، وزعمه أن عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهما ليسا من الصحابة، وزعمه أن صحبة الكثيرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لغوية لا شرعية ـ يريد بالصحبة الشرعية من كان أسلم قبل صلح الحديبية، وبالصحبة اللغوية من أسلم بعدها وصحبتهم عنده كصحبة الكفار والمنافقين لا فضيلة لها ـ، وزعمه أن الإجماع لابد فيه من اتفاق أمة الإجابة بفرقها المختلفة، وإنكاره القول بعدالة الصحابة.

وأنقل هنا جملة من كلماته في مدح أهل البدع وذم أهل السنة مما ذكرته تحت عنوان: ((زعمه أن الإجماع لابد فيه من اتفاق أمة الإجابة بفرقها المختلفة)) معزوَّة إلى بحثه المزعوم ((قراءة في كتب العقائد)) وتعليقي على تلك الجمل موجود في الكتاب، من ذلك قوله: ((أقوى دليل للذين يرون الإجماع هو الحديث المشهور: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، والحديث وإن كان فيه كلام من حيث الثبوت، لكن (الأمة) فيه لا تعني بعض الأمة وإنما كل أمة الإجابة، كل المسلمين باختلاف مذاهبهم الفقهية والعقدية والسياسية، ومن زعم بأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد من (أمتي) أنها تعني المحدثين أو أصحاب المذاهب الأربعة فقد جازف...!))، وقوله: ((ولذلك كان أكثر بل كل التيارات التي نَصِمها بالبدعة كالجهمية والقدرية والمعتزلة والشيعة والزيدية وغيرهم، كل هؤلاء كانوا من الدعاة إلى تحكيم كتاب الله وتحقيق العدالة، وكانوا من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر!!))، وقوله: ((لكن المعتزلة مثل غيرهم من الفرق أصابوا في أشياء وأخطأوا في أشياء، لكنهم في الجملة لا يستغنى عنهم ولا عن تراثهم وعلومهم، وهم مسلمون متديِّنون بدين الإسلام باطنا وظاهراً!!))، وقوله: ((وللقدرية نصوص شرعية يستشهدون بها مثلما للسنة والشيعة والمعتزلة نصوص شرعية يرون فيها الدليل الكافي على ما يذهبون إليه!!))، وقوله: ((بأن قتل الجعد بن درهم والجهم بن صفوان كان سياسيا ولم يكن من أجل البدعة!!))، وتأسفه ((على سنوات أضاعها في بغض ولعن الجهمية والقدرية، وأنه لم ينتبه لبراءتهما وظلمه لهما إلآ بعد بحثه في الموضوع في فترة متأخرة!!))، وقوله: ((وقد احتوت كتب العقائد ـ ومن أبرزها كتب عقائد الحنابلة ـ على كثير من العيوب الكبيرة التي لا تزال تفتك بالأمة!!!))، وقوله: ((أنا لا أرى معنى لمنع كتب الأشاعرة والشيعة والإباضية وغيرهم من المسلمين من دخول المملكة في ضوء هذا التفجر المعرفي!!!))، وقوله: ((وتتردد عندنا في العقائد ألفاظ كثيرة ومصطلحات فضفاضة لا نعرف معناها أو على الأقل يختلف الناس في تحديدها من شخص لآخر، فنُطلقها بلا تحديد، مثل: (السلف الصالح ـ أهل السنة ـ أهل الأثر ـ أهل الحديث ـ الطائفة المنصورة ـ البدعة ـ الإجماع ـ الضلالة ـ الأمة ـ علماء الأمة ـ الرافضة ـ الجهمية ـ الخوارج ـ النواصب ـ الشيعة ـ الكتاب ـ السنة...الخ)، وكذلك قول بعضهم: (عليك بما كان عليه الصحابة)، نصيحة مطاطة؛ فإن كان يعرف أن الصحابة قد اختلفوا في أمور كثيرة عقدية وفقهية وسياسية فأيُّهم نتبع؟!!))، وقوله: ((ثم تتابع علماء الشام كابن تيمية وابن كثير وابن القيم على التوجس من فضائل عليّ وأهل بيته وتضعيف الأحاديث الصحيحة في فضلهم مع المبالغة في مدح غيرهم!! وعلماء الشام ـ مع فضلهم ـ بشر لا ينجون من تأثير البيئة الشامية التي كانت أقوى من محاولات الإنصاف، خاصة مع استئناف هؤلاء بالتراث الحنبلي الذي خلَّفه لهم ابن حامد وابن بطة والبربهاري وعبد الله بن أحمد والخلال وأبو بكر بن أبي داود!!))، وقوله: ((ثم جاء بعد هؤلاء آل تيمية بحرَّان ثم دمشق، وابن كثير إلى حد كبير، والذهبي إلى حد ما، أما ابن تيمية فاشتهر عنه النصب وكتبه تشهد بذلك، ولذلك حاكمه علماء عصره على جملة أمور، منها: بغض عليّ!! ولم يحاكموا غيره من الحنابلة مع أن فيهم نصباً ورثوه عن ابن بطة وابن حامد والبربهاري، والتيار الشامي العثماني له أثر بالغ على الحياة العلمية عندنا في الخليج، وهذا من أسرار حساسيتنا من الثناء على الإمام عليّ أو الحسين، وميلنا الشديد لبني أمية، فتنبه!! والنواصب لهم أقوال عجيبة كغلاة الشيعة، فمنهم من كان ينشد الأشعار التي قيلت في هجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من يلعن عليّاً وهم الأكثر، ومنهم من يتَّهم عليّاً بمحاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من يحرف الأحاديث في فضله إلى ذم، وغير ذلك مما لا أستحل ذكره، والغريب في أمرنا سكوتنا عن هذه الطائفة التي كان منها من يذم النبي صلى الله عليه وسلم نفسه!!!)).

أقول: والله يعلم أنني كاره لحكاية هذيان هذا المالكي ومستح من ذكره، وكيف نسكت عمن زعم أنه يذم النبي صلى الله عليه وسلم أو يتهم عليّاً رضي الله عنه بمحاولة اغتياله لو وجد ونحن لم نسكت عن هذا المالكي الذي أساء إلى نفسه بالنيل من الصحابة وذم أهل السنة السائرين على نهجهم؟!

وهذا الكلام المتناهي في القبح الذي عزاه إلى غلاة النواصب لن يجده إن كان صادقاً إلا في كتب غلاة المبتدعة الذين يفترون على أهل السنة الذين يصفونهم بالنواصب وهم بريئون من ذلك براءة الذئب من دم يوسف عليه الصلاة والسلام، أما وصفه بعض أهل السنة كابن تيمية وابن كثير وابن القيم بالتوجس من فضائل عليّ وأهل بيته وتضعيف الأحاديث الصحيحة في فضلهم مع المبالغة في مدح غيرهم، وزعمه حساسيتنا في الخليج من الثناء على الإمام عليّ أو الحسين فهو زعم باطل مخالف لما عليه أهل السنة من مودة أهل البيت ومعرفة فضلهم، وقد بيَّنت ذلك في رسالة في عشرة فصول بعنوان: ((فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة)) طبعت عام 1422هـ، وطبعت ضمن مجموعة كتبي ورسائلي (6/81-131) في عام 1428هـ، وهي مشتملة على حكاية أقوال كثير من الصحابة ومن تبعهم بإحسان في فضل أهل البيت، ومنهم الثلاثة الذين أشار إليهم.

أما زعم المالكي أنه حنبلي في قوله: ((بل لا أعتبر نفسي إلا حنبليا بحكم النشأة والتعليم والبيت والتلقي والطريقة في الاستدلال))، فغير صحيح؛ لأن طريقة من زعم أنه منهم ـ وليس منهم ـ هي طريقة أهل السنة والجماعة، وأما هو فطريقته طريقة أهل البدع بل هو من الموغلين في البدع، وأما ما ذكره من النشأة والتعلم ثم انحرافه عما تعلمه وعقوقه لمن علمه فإنه يصدق عليه قول الشاعر:

فوا عجبا ممن ربيت طفلا     ألقِّمه بأطراف البنان

أعلِّمه الرماية كل يوم     فلما اشتد ساعده رماني

وكم علَّمته نظم القوافي     فلما قال قافية هجاني

وأما إنكاره القول بعدالة الصحابة فهذيانه فيه كثير ذكرتُ الجواب عليه في الكتاب، ومن هذيانه قوله معترضا على أهل السنة في قولهم بالإجماع على عدالة الصحابة: ((كيف تخصون الصحابة بالعدالة مع أن هذا التخصيص لم يرد عليه دليل لا من كتاب ولا من سنة؟! وهذه مسألة إجماع؛ فحكم الصحابة هو حكم غيرهم في الشهادة لقوله تعالى:(وليشهد به ذوا عدل منكم) (كذا! وليس في القرآن آية بهذا اللفظ)، فلو كان للصحابة خصوصية لكفى شاهد واحد عدل، ولو كان للصحابة خصوصية لاكتفي منهم بشاهد واحد في الزنا والقذف وغيرها، وهذا خلاف الإجماع؛ فإن النصوص القرآنية والحديثية لا تفرق بين صحابي وتابعي، فلماذا تفرقون أنتم في الرواية بين الصحابي وغير الصحابي، فلا تبحثون عن عدالة الصحابي، وتبحثون عن عدالة التابعي؟! بأي دليل من الشرع أو عقل يبيح لكم هذا التفريق؟! إذا كنتم تحتجون بأن الله أثنى على الصحابة في كتابه، فهذا الثناء العام معارض بذم عام في القرآن أيضاً!!)).

ثم ذكر آيات عديدة فيها الذم العام بزعمه وبعضها آيات في المنافقين، وذكر بعدها حديثاً واحداً وأشار إليه وإلى كثير من الآيات التي ذكرها، فقال: ((ومن الأحاديث في الذم العام قول النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث الحوض في ذهاب أفواج من أصحابه إلى النار، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أصحابي! أصحابي! فيقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك) الحديث متفق عليه، وفي بعض ألفاظه في البخاري: (فلا أرى ينجو منكم إلا مثل همل النعم)، فيأتي المعارض للثناء العام بهذا الذم العام، ويقول: كيف تجعلون للصحابة ميزة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا ينجو منهم إلا القليل، وأن البقية يؤخذون إلى النار؟! وكيف أنهم استمتعوا بخلاقهم كما استمتع الذين من قبلهم بخلاقهم وقد تحبط أعمالهم كم حبطت أعمال الأمم الماضية!!))، إلى أن قال: ((أقول: يستطيع المحتج على إبطال عدالة الصحابة جملة بمثل هذه الآيات والأحاديث الصحيحة، وحجته لن تكون أضعف من حجة القائل بتعديل كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين!! فما الحل إذاً؟!))، ثم ذكر الحل عنده على ما يوافق هواه.

أقول: إن هذه التساؤلات في هذيانه في الحقد على الصحابة لا تصدر إلا ممن أنهكت قلبه أمراضُ الشبهات، وآية الاستمتاع بالخلاق هي في المنافقين كما في كتب التفسير حتى في أخصرها وهو كتاب تفسير الجلالين، والحديث الذي عزاه إلى صحيح البخاري بلفظ: ((فلا أرى ينجو منكم إلا مثل همل النعم))، وبنى عليه أن الصحابة يذادون عن الحوض ويؤمر بهم إلى النار ولا ينجو منهم إلا القليل ليس بلفظ (منكم) خطاباً للصحابة كما زعم المالكي، بل هو في صحيح البخاري (6587) بلفظ ضمير الغائب، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((فلا أُراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم))، والضمير في (منهم) يرجع إلى زمرتين عُرضتا عليه تقدم ذكرهما في الحديث، وليس المراد بهم الصحابة كما زعم هذا الحاقد وما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة من قوله صلى الله عليه وسلم: ((أصحابي)) في بعض الذين يذادون عن الحوض المراد بهم القلة الذين ارتدوا بعده صلى الله عليه وسلم وقُتلوا في ردتهم على أيدي الجيوش المظفرة التي بعث بها أبو بكر رضي الله عنه لقتال المرتدين، وقد نقلتُ في الكتاب حكاية الإجماع على عدالة الصحابة عن ابن عبد البر والقرطبي وابن الصلاح والنووي وابن حجر، ونقلت عن أبي زرعة الرازي قوله: ((إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة))، وعن أبي جعفر الطحاوي قولَه: ((ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان))، وعن أبي المظفر السمعاني قولَه: ((التعرض إلى جانب الصحابة علامة على خذلان فاعله، بل هو بدعة وضلالة))، ونقلت أيضا عن آخرين أقوالهم في فضل الصحابة والثناء عليهم.

وأما الكتاب الثاني وهو ((الانتصار لأهل السنة والحديث في رد أباطيل حسن المالكي)) فقد قلت في مقدمته: ((أمَّا بعد، فقد نبت في هذا الزمان في أقصى جنوب هذه البلاد نابتةٌ تسلَّق أسوارَ العلم، وأتى بيوتَه من غير أبوابها، فقفى ما ليس له به علم، وخَبَط في العلم خَبْطَ عَشواء، وحَمَلَ على أهل السُّنَّة والحديث منذ عهد الصحابة وحتى زماننا حَمْلة شعواء، وهذا النابتةُ حسن بن فرحان المالكي، نسبة إلى بني مالك في أقصى جنوب المملكة، وإنَّما قلت: (نسبة إلى بني مالك)؛ لئلاَّ يظنَّ ظانٌّ نسبتَه إلى مذهب الإمام مالك، أحد أئمَّة أهل السُّنَّة، فإنَّه ليس من أهل السُّنَّة، بل هو من الموغلين في البدع، المحاربين لأهل السنَّة، وقلت: (في أقصى جنوب المملكة)؛ لئلاَّ يُتوهَّم نسبته إلى بني مالك الذين ذُكِر أنَّ نسبَهم يرجع إلى بَجيلة، ومنازلهم قريبةٌ من الطائف؛ لأنَّ ظنَّ نسبته إليهم مع خبثه وسوء معتقده لا شكَّ أنَّه يسوؤهم، وأمَّا الذين في الجنوب فهو وإن كان منهم فإنَّ نسبتَه إليهم لا تضرُّهم؛ لأنَّه لا تزر وازرةٌ وزر أخرى، وقد كَرَع هذا النابتةُ في مستنقعات أهل البدع، وعبَّ منها ما شاء أن يَعُب، واطَّلع على ما أمكنه الاطِّلاعُ عليه من كتب أهل السُّنَّة لالتقاط الأخطاء وتصيُّد المثالب، ثم تقيَّأ ذلك كلَّه في أوراق سَمَّاها بحوثاً.

ومن أقبح ما تقيّ‍َأه بحثه المزعوم الذي سَمَّاه ((قراءة في كتب العقائد ـ المذهب الحنبلي نموذجاً))، وقد شحنه بالهذيان والأباطيل في ذمِّ أهل السُّنَّة والثناء على المبتدعة، وسأشير هنا إلى جملة من تلك الأباطيل، ذاكراً بعدها رقم المبحث الذي وردت فيه من هذا الرد.

فمِن ذلك زعمه أنَّ مصطلحَ العقيدة مبتدَع (6)، وقدحه في كتب أهل السُّنَّة في العقيدة (7)، وزعمه الاكتفاء بإسلام لا يُتعرَّض فيه لجزئيات العقيدة؛ لأنَّ ذلك بزعمه يُفرِّق المسلمين (8)، وثناؤه على أهل البدع وقدحه في أهل السُّنَّة (9)، وقدحه في أفضليَّة أبي بكر رضي الله عنه وأحقيَّته بالخلافة (11)، وقدحه في خلافة عمر وعثمان رضي الله عنهما (12)، وقدحه في أحاديث صحيحة بعضها في الصحيحين (14)، وزعمه أنَّ المعوَّل عليه في النصوص ما كان قطعيَّ الثبوت قطعيَّ الدلالة فقط (15)، وزعمه أنَّ أهل السُّنَّة مجسِّمة ومشبِّهة (16)، وثناؤه على المأمون الذي نصر المبتدعة وآذى أهلَ السُّنَّة وذمُّه للمتوكِّل الذي نصر السنَّة وأنهى المحنة (18)، وتشكيكه في ثبوت السنَّة والإجماع، وزعمه أنَّ أهل السُّنَّة يُزَهِّدون في التحاكم إلى القرآن مع المبالغة في الأخذ بأقوال الرِّجال (24)، وزعمه أنَّ أهل السُّنَّة يُزهِّدون في كبائر الذنوب والموبقات (25)، وزعمه أنَّ أهل السُّنَّة يتساهلون مع اليهود والنصارى مع التشدُّد مع المسلمين (26)، وزعمه أنَّ قاعدةَ (اتِّباع الكتاب والسنَّة بفهم سلف الأمَّة) باطلةٌ وأنَّها بدعة (27)، وزعمه أنَّ تقسيم التوحيد إلى ربوبيَّة وألوهيَّة تقسيمٌ مبتدَع (28)، وتشنيعه على الإمام أحمد في مسألة التكفير (29)، ورميه أهل السُّنَّة بالنَّصب وزعمه أنَّ ابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن كثير نواصب (30).

والله يعلم أنِّي كارهٌ لإيراد كلامه في هذه الأباطيل، لكن دعت الضرورة إلى ذلك، وأقول فيها كما قال السيوطي في كتابه ((مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنَّة)) (ص:5): (اعلموا ـ يرحمكم الله ـ أنَّ من العلم كهيئة الدواء، ومن الآراء كهيئة الخلاء، لا تُذكر إلا عند داعية الضرورة، وإنَّ مِمَّا فاح ريحُه في هذا الزمان، وكان دارساً بحمد الله تعالى منذ أزمان، وهو أنَّ قائلاً رافضيًّا زنديقاً أكثر في كلامه أنَّ السنَّةَ النبويَّة والأحاديث المرويَّة ـ زادها الله علوًّا وشرَفاً ـ لا يُحتجُّ بها، وأنَّ الحجَّةَ في القرآن خاصَّة ... فاعلموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ مَن أنكر كون حديث النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ـ قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول ـ حجَّةً كفرَ وخرج عن دائرة الإسلام، وحُشر مع اليهود والنصارى، أو مع مَن شاء الله من فرق الكفرَة ... وهذه آراء ما كنتُ أستحلُّ حكايتَها لولا ما دعت إليه الضرورة من بيان أصل هذا المذهب الفاسد، الذي كان الناس في راحة منه من أعصار)،)).

وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فإنَّ التشابهَ بين المالكي وهذا الرافضي الذي ذكره السيوطي واضحٌ؛ لأنَّ المالكيَّ شكَّك في ثبوت السنَّة وزعم أنَّ ثبوتَها مختلفٌ فيه، وقال في (ص:164) من قراءته المزعومة: ((فقد اختلف المسلمون في ثبوت السنة وفي الإجماع وفي القياس وفي قول الصحابي وفي غير ذلك، لكن لم يختلفوا أنَّ القرآن هو المصدر الرئيس الشرعي في كلِّ أمر من الأمور الدينية))!!

ويرى بعضُ الناس أنَّ في الردِّ على هذا المالكيِّ إشهاراً له، وأقول: نعم! هو إشهارٌ له، لكن بالخزي والفضيحة، واشتهارُه نظيرُ اشتهار صاحب الحكاية الذي قال: سأعملُ عملاً أُذكَر به في التاريخ، فما كان منه في جمع حاشد إلا أن خلَع ثيابَه وتعرَّى أمامهم، فتحقَّق له ذلك الذي أراده، وأيضاً فمِن المعلوم أنَّ الباطلَ إذا ظهر تعيَّن كشفُه وتزييفُه وإيضاحُ بطلانه.

وإذا لَم يهتد المالكي قبل بلوغه أجلَه فسيموتُ بغيظه، وسيبقى إن شاء الله ذكرُه السيِّء كما بقي ذكرُ أسلافه، كالجعد بن درهم، وجهم بن صفوان، وغيرهما من المبتدعة أهل الزيغ والضلال، وستبقى إن شاء الله الردودُ عليه، كما بقيت الردودُ من علماء السلف، كالإمام أحمد والدارمي وابن منده الذين ردُّوا على الجهمية.

وأقول في الختام: إن التواصل مع هذا المالكي الذي أوضحت حاله من التعاون على الإثم والعدوان ولعل العذر للنادي الأدبي في جدة في إرادته التواصل معه عدم معرفته بحاله، ومثله لا يحصِّل المتواصل معه إلا ما يحصله من كان دليله الغراب في قول الشاعر:

ومن جعل الغراب له دليلا     يمر به على جيف الكلاب

واللائق بكل من عنده عقل ودين الحذر منه والبعد عن التواصل معه، وكيف تطيق أسماعٌ سماعَ مَن ذكرتُ كثيراً من هذيانه؟! وكيف تطيق عيونٌ النظر إلى من كانت هذه حاله؟! وكل ما ذكرته عنه من عبارات قبيحة في حق الصحابة رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم واضحة في الدلالة على زندقته ودخوله ضمن من عناهم أبو زرعة رحمه الله في كلامه المتقدم، وسبق أن كتبت عن زندقته وزندقة تركي الحمد رسالة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ـ حفظه الله ـ إبان ولايته للعهد بتاريخ 13/9/1421هـ، قلت في آخرها: ((أرجو من سموكم الاطلاع والتكرم بإصدار أمر كريم بمحاكمتهما وتطبيق الحكم الشرعي فيهما، وقد ترون ـ حفظكم الله ـ التوجيه بقيام جهة مختصة تتولى مهام إقامة الدعوى على من يحصل منه اعتداء على العقيدة وتمرد على أحكام الله وسخرية واستهزاء بالدين وأهله، ثم تطبيق ما يقضي به الشرع في حقهم، وأسأل الله عز وجل أن يوفق سموكم لما فيه رضاه ونفع عباده وقطع دابر الإجرام والمجرمين)).

وقد ذكرت ما يوضح زندقة تركي الحمد في كلمتين إحداهما بعنوان: ((الحق أن المستحق للمحاكمة تركي الحمد)) نشرت بتاريخ 20/9/1429هـ، والثانية بعنوان: ((كلمة أخرى حول زندقة تركي الحمد)) نشرت بتاريخ 26/5/1430هـ.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عبد المحسن بن حمد العباد البدر