تنبيه: يوجد في نهاية المجلد الثامن من المجموع ((الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى)) إضافة فوائد جديدة لم تكن في المطبوع
شرح صحيح البخاري يوميا عدا الجمعة بعد صلاة المغرب بالمسجد النبوي

لا يرد الحديث الصحيح بالعقل يا شيخ صالح المغامسي

1438/12/26هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على من لا نبي بعده،  نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد، فقد استمعت إلى تسجيل بصوت الشيخ صالح المغامسي، واطلعت على تفريغ له حول حديث أم سلمة رضي الله عنها في إمساك المضحي إذا دخلت عشر ذي الحجة عن أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي، والحديث في صحيح مسلم (5117) جاء بروايات متعددة، فقد جاء بلفظ: «فلا يمس من شعره وبشره شيئا»، وبلفظ: «فلا يأخذن شعراً ولايقلمن ظفراً»، وبلفظ: «فليمسك عن شعره وأظفاره»، وأسانيد هذا الحديث إلى أم سلمة سبعة أسانيد، وقد خلص الشيخ المغامسي إلى أن أخذ شيء من الشعر والظفر ليس بمحرم ولا مكروه كراهة تنزيه، وبنى كلامه على توهين الحديث مع كونه في صحيح مسلم، وعلى مخالفته للعقل، وأنبه حول كلامه على أمور:


1. استدل من العقل على أخذ المضحي من شعره وأظفاره في عشر ذي الحجة بأن المحرم إذا جامع قبل التحلل الأول فسد حجه، وقد جاز لمن أراد أن يضحي أن يجامع أهله في العشر، فمن باب أولى يجوز له الأخذ من شعره وأظفاره، والجواب: أن المضحي يمتنع مما منعه الشرع وهو أخذ الشعر والظفر، ويفعل كل ما لم يمنعه الشرع منه كالجماع وغيره.

2. قال: «ثم نأتي بدليل عقلي آخر وهو الحديث حديث أم سلمة صح سنداً لأنه عند مسلم في الصحيح لكن الأضحية ليست شعيرة خفية النبي عليه الصلاة والسلام ضحى عشر سنين يعلن أضحيته»، إلى أن قال: «فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتحدث عن الأضاحي يتحدث في المنابر على مكان عام هذه شعيرة تهم كل مسلم فلا يعقل أنه لما أراد أن يعلق بها أمراً أو نهياً أن يجعل هذا هذا حديثاً بينه وبين أم سلمة».

أقول: ما كان ينبغي له أن يهوّن من شأن حديث أم سلمة بمثل هذا الكلام المنفلت الذي لا قيمة له، وأي مانع يمنع من انفراد أم سلمة رضي الله عنها برواية هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وقد جاءت بعض الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الوجه الذي لم يعقله المغامسي، وأول حديث في صحيح البخاري هو من هذا القبيل، وهو حديث: «إنما الأعمال بالنيات» الحديث، انفرد بروايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وانفرد بروايته عنه علقمة بن وقاص الليثي وهو من كبار التابعين، ثم انفرد بروايته عنه محمد بن إبراهيم التيمي وهو من أوساط التابعين، وانفرد بروايته عنه يحيى بن سعيد الأنصاري وهو من صغار التابعين، مثله آخر حديث في صحيح البخاري وهو حديث: «كلمتان حبيبتان إلى الرحمن» الحديث، فقد انفرد بروايته أبو هريرة رضي الله عنه، وانفرد بروايته عنه أبو زرعة بن عمرو بن جرير، ثم عنه عمارة بن القعقاع، ثم عنه محمد بن الفضيل بن غزوان.

3. أشار إلى قول بعض أهل العلم أن المسألة لا تصل إلى التحريم، ثم قال: «بل وعندي بل لا تصل إلى الكراهة».

أقول: إن التعبير بـ«عندي» شيء عظيم لا ينبغي أن يصدر إلا ممن هو عظيم في العلم، كشيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله الذي بلغت فتاواه عشرات المجلدات، أما مثل الشيخ المغامسي فلا ينبغي له أن يقحم نفسه في ذلك، ولا أذكر بحمد الله أني قلت هذه الكلمة في دروسي ومؤلفاتي، ويحضرني بهذه المناسبة حكاية طريفة سمعتها من الشيخ عبدالله الغديان رحمه الله، قال: إن وُليدا عمره خمس عشرة سنة قال في حديث في صحيح البخاري: «هذا الحديث لم يصح عندي»، وقد قال الشيخ الشوكاني رحمه الله في كتابه «قطر الولْي على حديث الولي»: «وينبغي لمن سمع أحدهم يفتي في التحليل والتحريم وينصب نفسه لما ليس من شأنه أن يقول له كما قال الشاعر:

تقولون هذا عندنا غير جائز     ومن أنتم حتى يكون لكم عند»؟!

4. قال: «والحديث قد يصح سندا ويكون في متنه ما يجعلك تتوقف فيه».

أقول: لا وجه للتوقف في متن حديث أم سلمة رضي الله عنها، وقد قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: «قال سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعي: إنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية»، وسعيد بن المسيب هو راوي الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة.

5. قال: «وقد يصح متناً ولا يصح سنداً لكن تأخذ به من دون أن تسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال عليه الصلاة والسلام: أنا أفصح العرب بيد أني من قريش».

أقول التمثيل بهذا الحديث لا يستقيم؛ لأن لفظه واضح في إضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يناسب التمثيل به حديث: «ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد» أورده الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (611) وفي إسناده متهمان بالكذب.

وأسأل الله عز وجل أن يوفقني والشيخ صالح المغامسي وسائر طلبة العلم إلى ما فيه السلامة من القدح في الأحاديث الصحيحة بالعقل ولما فيه سعادة الدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.